هل حان الوقت لتأسيس أحزاب أمازيغية؟

jeudi 7 juillet 2011 by: محمد الرزوقي

برهنت الأحزاب المهيمنة على المشهد السياسي الرسمي عن لامسؤولية كبيرة في مواقفها من مطالب الشارع المغربي سواء المتعلقة بتأسيس نظام مدني برلماني ديموقراطي حقيقي في إطار ملكية رمزية، أو المتعلقة بالإعتراف بالهوية الأمازيغية (التاريخية الجغرافية وليس العرقية اللغوية) وباللغة الأمازيغية لغة رسمية بالمساواة مع العربية.
أما الإعتراف المنقوص بالأمازيغية الذي جاء به الدستور الممنوح فهو نتيجة لضغط الشارع فقط. ولا يمكن لأي حزب أن يزعم بأنه ناضل أو ضغط من أجل الإعتراف بالأمازيغية هوية ولغة. بل إن حزبي العدالة والتنمية والإستقلال ضغطا على لجنتي تعديل الدستور في الإتجاه المعاكس من أجل إنقاص حجم الإعتراف بالأمازيغية هوية ولغة رسمية، وجعله هامشيا وثانويا.
هناك ثلاثة أنواع من الأحزاب حسب مواقفها من الأمازيغية خلال العقد الأخير:
1-أحزاب مضادة للأمازيغية: وأهمها حزبا الإستقلال والعدالة والتنمية.
2-أحزاب محايدة أو غير مهتمة أو تساير مزاج السلطة والشارع: مثل حزب الإتحاد الإشتراكي، حزب الأصالة والمعاصرة، وحزب التجمع الوطني للأحرار.
3-أحزاب مساندة للأمازيغية: الحزب الديموقراطي الأمازيغي المغربي هو الوحيد الذي طالب صراحة بالإعتراف بالهوية الأمازيغية وبترسيم اللغة الأمازيغية. وهو حزب حظرته وزارة الداخلية بعد استصدار حكم قضائي ضده، فتوارى عن الأنظار.
وهناك مجموعة من الأحزاب التي ساندت الأمازيغية ولكن بشكل مبهم أو مناسباتي مثل حزب الحركة الشعبية، وحزب التقدم والإشتراكية والحزب الإشتراكي الموحد.

حزب على أساس عرقي ولغوي؟
يقول الفصل 7 من الدستور الممنوح: "لا يجوز أن تؤسس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي، وبصفة عامة، على أي أساس من التمييز أو المخالفة لحقوق الإنسان".
ورغم أن الهوية الأمازيغية التاريخية الجغرافية تشمل كل المغاربة مهما كان أصلهم العرقي أو لونهم أو لغتهم أو دينهم، وتشمل مجموع التراب الوطني بل ومجموع شمال أفريقيا، فإن كل من لا يتقبل هذا المفهوم الجامع الشامل لـ"الهوية الأمازيغية" ويراها مقتصرة على رقم عرقي أو لغوي (متجاهلا التاريخ والجغرافيا) سيقول ببساطة أن أي "حزب أمازيغي" هو حزب عرقي أو لغوي.
والطريف هو أن هذا الحاجز (الدستوري والقانوني) يمكن القفز عليه ببساطة عبر التخلي عن لفظ "أمازيغي" في الإسم الرسمي للحزب. وهذا بالضبط هو ما تفعله الأحزاب السياسية الإسلامية داخل وخارج المغرب حينما تتخلى عن تسمية "الحزب الإسلامي" مع احتفاظها بأيديولوجياتها وبرامجها الإسلامية كاملة غير منقوصة، وتبقى معروفة لدى الناس كأحزاب إسلامية.
أما من يرفض شرعية تلك الأحزاب الإسلامية ويقول بأنها "أحزاب دينية" وأنها "تستعمل الدين في السياسة" فسيردون عليه بأن الإسلام يشمل كل المغاربة وأن أحزابهم مفتوحة لكل المواطنين والمواطنات، وأنها لا تميز بين المواطنين على أساس الدين.
وكذلك يمكن لأي حزب أمازيغي، يُـتّـهَـمُ بأنه "حزب عرقي ولغوي" وأنه "يستخدم العرق واللغة في السياسة"، أن يرد بأن الهوية الأمازيغية تشمل كل المغاربة وأن الحزب مفتوح لكل المواطنين والمواطنات، وأن الحزب لا يميز بين المواطنين على أساس العرق أو اللغة أو القناعة الهوياتية.

ضرورة تأسيس أحزاب سياسية أمازيغية
دفعت الهوية واللغة الأمازيغيتان ثمنا غاليا بسبب غياب سياسيين يدافعون عنهما في معتركات السياسة والإعلام والإدارة والبرلمان، مقابل جيش عرمرم من السياسيين المعادين لها من منطلقات إسلامية أو عروبية أو سلطوية. وهذه القصة تكررت مؤخرا حينما لم تجد الأمازيغية من يضغط لصالحها لدى محيط الملك وفي دهاليز السلطة خلال عملية كتابة الدستور.
لقد تأكد بالملموس المحسوس أن الأمازيغية هوية ولغة وقيما لن تحصل على الإعتراف الكامل والتنزيل الشامل إلا بنزول أحزاب أمازيغية إلى معترك السياسة ووصولها إلى تدبير الجماعات المحلية والجهات والمؤسسات العمومية ودخولها البرلمان والحكومة.
إن فساد المحيط السياسي المغربي وسيطرة النخب المخزنية والإقطاعية عليه وشيوع التزوير واستعمال المال وغيرها من الممارسات اللاديموقراطية ليست مبررات للإحجام عن المشاركة والتدافع والتنافس السياسي، بل إنها مبررات أقوى للمشاركة السياسية من أجل محاربة اللامساواة والظلم والفساد والتسلط، ومن أجل إحقاق حقوق الإنسان.
إن من يحجم عن المشاركة والدفاع عن قيمه ومبادئه يحكم على نفسه ومبادئه بالزوال والإندثار. والأمازيغية، هوية ولغة وثقافة وقيما، هي في طريقها إلى التدجين والتصفية على يد خصومها وأعدائها السياسيين الذين يراوغونها ويتجاهلونها حينا ويسخرون منها ويحطون من شأنها حينا آخر. فالأمين العام لحزب العدالة والتنمية أعلن أمام الملأ ما مضمونه أن معركة الأمازيغية لم تنته بعد (وهذا صحيح جدا) مؤكدا عزمه على مواصلة سياسة حزبه تجاهها فيما يتعلق بمسألة الحرف وتفعيل الترسيم. بعبارة أخرى، خصوم الأمازيغية عازمون على قتالها في حلبة الملاكمة البرلمانية، شبرا شبرا، حرفا حرفا. فمن سيدافع عنها في البرلمان؟!
هل يمكن ائتمان حزب العدالة والتنمية أو حزب الإستقلال أو الأحزاب الأخرى على الأمازيغية في البرلمان حينما ستبدأ مناقشة "القانون التنظيمي" المعلوم وغيره من القوانين؟
هل يمكن ائتمان ذئاب على قطيع غنم؟
ألا يعلم القاصي والداني أن بعض الأحزاب والجهات ستبذل مجددا أقصى ما في قوتها لفرملة تقدم الأمازيغية وتعطيلها وتحجيمها ومحاصرتها في البرلمان وخارجه؟
وما الذي يمكن للجمعيات الثقافية والحقوقية الأمازيغية فعله أمام هذه الحقائق المؤكدة؟ إصدار بيانات إنترنيتية شديدة اللهجة؟ الشجب؟ الإدانة؟ مزيد من المطالب؟
ذلك العمل الثقافي والحقوقي الأمازيغي الذي دأب عليه الناشطون الجمعويون، رغم قيمته في حد ذاته، لم يكن يؤثر على الدولة ولا على الأحزاب إلا قليلا. ولهذا السبب لم تدخل الأمازيغية الدستور إلا في عام 2011 رغم الحناجر التي بحت من كثرة الخطابة والأقلام التي جفت من كثرة الكتابة عبر عقود طوال.
إن ما يؤثر على السلطة هو النزول إلى الشارع والنزول إلى معترك السياسة. وما يخيف السلطة هي الجماهير الجرارة الغاضبة التي تدك الشوارع دكا، والأحزاب التي تتحد مع الجماهير ولا تلعب لعبة السلطة القذرة.

قوة الشارع تفعل العجب العجاب
حينما نقول أن الملك مازال يمسك بمعظم السلطات فهذا صحيح على مستوى جهاز الدولة وعلى مستوى الدستور. أما خارج مؤسسات الدولة ودوائر السلطة فإن الشارع يمسك بزمام المبادرة في كل وقت.
لقد تحقق للأمازيغية في ظرف بضعة شهور بعد تاريخ 20 فبراير ما لم يتحقق لها في 55 عاما بعد الإستقلال. هذه هي القوة الخارقة للشارع. هذه هي القوة الخارقة للمشاركة الشعبية المكثفة.
على مستوى آخر تمكن كل من حزب الإستقلال وحزب العدالة والتنمية من الضغط بقوة على محيط القصر للتراجع عن المساواة بين اللغتين العربية والأمازيغية، ولإقبار الدولة المدنية، في غياب أحزاب قوية تدافع عن الأمازيغية والدولة المدنية. هذه هي القوة الخارقة للنشاط الحزبي الممنهج والتعبئة الحزبية المحكمة والتي بدورها تنبع من تعبئة الشارع.

الأمازيغية من الشارع والجمعية.. إلى البرلمان والحكومة
لقد حان الوقت لتأسيس أحزاب سياسية أمازيغية تستجيب للشارع وتعكس التنوع الثقافي والفكري الأمازيغي اليساري واليميني، الحداثي والتقليدي. حان الوقت الآن أكثر من ذي قبل ليتحول النضال الأمازيغي الثقافي والحقوقي إلى نضال أمازيغي سياسي، يتبنى مفهوما أمازيغيا مجتمعيا حضاريا شاملا يشمل الهوية واللغة والتنمية والتعليم ونشر ثقافة حقوق الإنسان، من أجل بناء الدولة المدنية الديموقراطية ومجتمع العلم والحقوق.

Filed under: